فصل: الآيات (71 - 72)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


 الآيات 71 - 72

أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏والمؤتفكات‏}‏ قال‏:‏ قوم لوط، ائتفكت بهم أرضهم فجعل عليها سافلها‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله ‏{‏والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‏}‏ يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله والنفقات في سبيل الله وما كان من طاعة الله ‏{‏وينهون عن المنكر‏}‏ ينهون عن الشرك والكفر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الله كتبها الله على المؤمنين‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس ‏{‏والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‏}‏ قال‏:‏ إخاؤهم في الله يتحابون بجلال الله والولاية لله‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج والطبراني عن سلمان قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة‏"‏وأخرجه ابن أبي شيبة عن أبي عثمان مرسلا‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي موسى ‏"‏أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن المعروف والمنكر خليقتان ينصبان يوم القيامة، فأما المعروف فيبشر أهله ويعدهم الخير، وأما المنكر فيقول لأصحابه‏:‏ إليكم وما تستطيعون له إلا لزوما‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس، ولن يهلك رجل بعد مشورة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة، إن الله ليبعث المعروف يوم القيانة في صورة الرجل المسافر، فيأتي صاحبه إذا انشق قبره فيمسح عن وجهه التراب ويقول‏:‏ أبشر يا ولي الله بأمان الله وكرامته، لا يهولنك ما ترى من أهوال يوم القيامة‏.‏ فلا يزال يقول له‏:‏ احذر هذا واتق هذا يسكن بذلك روعه حتى يجاوز به الصراط، فإذا جاوز به الصراط عدل ولي الله إلى منازله في الجنة، ثم يثني عنه المعروف فيتعلق به فيقول‏:‏ يا عبد الله من أنت خذلني الخلائق في أهوال القيامة غيرك فمن أنت‏؟‏ فيقول له‏:‏ أما تعرفني‏؟‏‏!‏ فيقول‏:‏ لا‏.‏ فيقول‏:‏ أنا المعروف الذي عملته في الدنيا، بعثني الله خلقا لأجازيك به يوم القيامة‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن علي قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم، فإن اللعنة تنزل عليهم، يا علي إن الله خلق المعروف وخلق له أهلا، فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه كما وجه الماء في الأرض الجدبة لتحيا به ويحيى به أهلها، إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن علي قال‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏صانع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين، ثم أمر مناديا ينادي‏:‏ألا ليقم أهل المعروف في الدنيا‏.‏ فيقومون‏.‏ حتى يقفوا بين يدي الله، فيقول الله‏:‏ أنتم أهل المعروف في الدنيا‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم‏.‏ فيقول‏:‏ وأنتم أهل المعروف في الآخرة فقوموا مع الأنبياء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة حتى تدخلوا عليهم المعروف في الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب قضاء الحوائج عن بلال قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏كل معروف صدقة، والمعروف يقي سبعين نوعا من البلاء ويقي ميتة السوء، والمعروف والمنكر خلقان منصوبان للناس يوم القيامة، فالمعروف لازم لأهله والمنكر لازم لأهله، يقودهم ويسوقهم إلى النار‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏إن أحب عباد الله إلى الله عز وجل من حبب إليه المعروف وحبب إليه فعاله‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏إن الله جعل للمعروف وجوها من خلقه، وحبب إليهم فعاله ووجه طلاب المعروف إليهم، ويسر عليهم إعطاءه كما يسر الغيث إلى الأرض الجدبة ليحييها ويحيي به أهلها، وإن الله جعل للمعروف أعداء من خلقه بغض إليهم المعروف وبغض إليهم فعاله، وحظر عليهم إعطاءه كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها ويهلك بها أهلها، وما يعفو الله أكثر‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏عليكم باصطناع المعروف فإنه يمنع مصارع السوء، وعليكم بصدقة السر فإنها تطفئ غضب الله عز وجل‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن حذيفة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏كل معروف صدقة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة والقضاعي والعسكري وابن أبي الدنيا من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏كل معروف صدقة، وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له به صدقه، وما وقى به عرضه كتب له به صدقة، وقد قيل لمحمد بن المنكدر ما يعني ما وقى به عرضه‏؟‏ قال‏:‏ الشيء يعطى الشاعر وذا اللسان المتقى‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار والطبراني عن ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ كل معروف يصنعه أحدكم إلى غني فقير فهو صدقة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏كل معروف صدقة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا عن جابر الجعفي رفعه قال‏:‏ المعروف خلق من خلق الله تعالى كريم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال‏:‏ سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن تفسير ‏{‏ومساكن طيبة في جنات عدن‏}‏ قالا‏:‏ على الخبير سقطت‏.‏ سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏"‏قصر من لؤلؤة في الجنة، في ذلك القصر سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون، على كل فراش امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة، في كل مائدة سبعون لونا من كل طعام، في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة، فيعطى المؤمن من القوة في كل غداة ما يأتي على ذلك كله‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن سليم بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏الجنة مائة درجة‏:‏ فأولها من فضة أرضها فضة، ومساكنها فضة، وآنيتها فضة، وترابها مسك‏.‏ والثانية من ذهب أرضها ذهب، ومساكنها ذهب، وآنيتها ذهب، وترابها مسك‏.‏ والثالثة لؤلؤ أرضها لؤلؤ، وآنيتها لؤلؤ، وترابها مسك‏.‏ وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حازم قال‏:‏ إن الله ليعد للعبد من عبيده في الجنة لؤلؤة مسيرة أربعة برد، أبوابها وغرفها ومغاليقها ليس فيها قضم ولا قصم، والجنة مائة درجة‏:‏ فثلاث منها ورق وذهب ولؤلؤ وزبرجد وياقوت، وسبع وتسعون لا يعلمهما إلا الذي خلقها‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال‏:‏ إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل له ألف قصر، ما بين كل قصرين مسيرة سنة، يرى أقصاها كما يرى أدناها، في كل قصر من الحور العين والرياحين والولدان ما يدعو شيئا إلا أتي به‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن مغيث بن سمي قال‏:‏ إن في الجنة قصورا من ذهب، وقصورا من فضة، وقصورا من ياقوت، وقصورا من زبرجد، جبالها المسك، وترابها الورس والزعفران‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب قال‏:‏ إن في الجنة ياقوتة ليس فيها صدع ولا وصل، وفيها سبعون ألف دار في كل دار سبعون ألفا من الحور العين لا يدخلها إلا نبي، أو صديق، أو شهيد، أو إمام عادل، أو محكم في نفسه‏.‏ قيل لكعب‏:‏ وما المحكم في نفسه‏؟‏ قال‏:‏ الرجل يأخذه العدو فيحكمونه بين أن يكفر أو يلزم الإسلام فيقتل، فيختار أن يلزم الإسلام‏.‏

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله ‏{‏جنات عدن‏}‏ قال‏:‏ معدن الرجل الذي يكون فيه‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‏{‏جنات عدن‏}‏ قال‏:‏ معدنهم فيها‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان قال‏:‏ إن الله خلق في الجنة جنة عدن دملج لؤلؤة، وغرس فيها قضيبا ثم قال لها‏:‏ امتدي حتى أرضى‏.‏ ثم قال لها‏:‏ أخرجي ما فيك من الأنهار والثمار ففعلت‏.‏ فقالت ‏(‏قد أفلح المؤمنون‏)‏ ‏(‏المؤمنون الآية 1‏)‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله ‏{‏ورضوان من الله أكبر‏}‏ يعني إذا أخبروا أن الله عنهم راض فهو أكبر عندهم من التحف والتسليم‏.‏

وأخرج ابن مردويه عن جابر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله‏:‏ هل تشتهون شيئا فأزيدكم‏؟‏ قالوا‏:‏ يا ربنا وهل بقي شيء إلا قد أنلتناه‏؟‏‏!‏ فيقول‏:‏ نعم‏.‏ رضائي فلا أسخط عليكم أبدا‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبد الملك الجهني قال‏:‏ قال رسول الله‏"‏ لنعيم أهل الجنة برضوان الله عنهم أفضل من نعيمهم بما في الجنان‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن شمر بن عطية قال‏:‏ يجيء القرآن يوم القيامة في صورة الرجل الشاحب حين ينشق عنه قبره فيقول‏:‏ أبشر بكرامة الله تعالى‏.‏ قال‏:‏ فله حلة الكرامة‏.‏ فيقول‏:‏ يا رب زدني‏.‏ فيقول‏:‏ رضواني ورضوان من الله أكبر‏.‏

وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏إن الله يقول لأهل الجنة‏:‏ يا أهل الجنة‏.‏ فيقولون‏:‏ لبيك يا ربنا وسعديك والخير في يديك‏.‏ فيقول‏:‏ هل رضيتم‏؟‏ فيقولون‏:‏ ربنا، وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحدا من خلقك‏؟‏ فيقول‏:‏ ألا أعطيكم أفضل من ذلك‏؟‏ قالوا‏:‏ يا رب وأي شيء أفضل من ذلك‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا‏"‏‏.‏

وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن قال‏:‏ بلغني أنا أبا بكر الصديق كان يقول في دعائه‏:‏ اللهم أسألك الذي هو خير في عاقبة الخير، اللهم اجعل آخر ما تعطيني الخير رضوانك والدرجات العلى في جنات النعيم‏.‏

 الآية 73

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله ‏{‏يا أيها النبي جاهد الكفار‏}‏ قال‏:‏ بالسيف ‏{‏والمنافقين‏}‏ قال‏:‏ باللسان ‏{‏واغلظ عليهم‏}‏ قال‏:‏ أذهب الرفق عنهم‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله ‏{‏جاهد الكفار والمنافقين‏}‏ قال‏:‏ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليلقه بوجه مكفهر‏.‏

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال‏:‏ لما نزلت ‏{‏يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين‏}‏ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاهد بيده، فإن لم يستطع فقلبه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فليلقه بوجه مكفهر‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله ‏{‏جاهد الكفار‏}‏ قال‏:‏ بالسيف ‏{‏والمنافقين‏}‏ بالقول باللسان ‏{‏واغلظ عليهم‏}‏ قال‏:‏ على الفريقين جميعا، ثم نسخها فأنزل بعدها ‏(‏قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 123‏)‏‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال‏:‏ أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين في الحدود‏.‏

 الآية 74

أخرج ابن إسحق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال ‏"‏لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس‏:‏ والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير‏.‏ فسمعه عمير بن سعد فقال‏:‏ والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أشرا وأعزهم علي أن يدخل عليه شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني، ولأحدهما أشد علي من الأخرى‏.‏ فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال، فأتى الجلاس فجعل يحلف بالله ما قال، ولقد كذب على عمير فأنزل الله ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر‏}‏ الآية‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال ‏"‏كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وقال‏:‏ لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير‏.‏ فرفع عمير بن سعد مقالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف الجلاس بالله لقد كذب علي وما قلت‏.‏ فأنزل الله ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا‏}‏ الآية‏.‏ فزعموا أنه تاب، وحسنت توبته‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ‏"‏سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه رجلا من المنافقين يقول - والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب - ‏:‏ إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير‏.‏ فقال زيد رضي الله عنه‏:‏ هو - والله - صادق ولأنت أشر من الحمار، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجحد القائل، فأنزل الله ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏.‏ فكانت الآية في تصديق زيد‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال ‏"‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال‏:‏ إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا تكلموه، فلم يلبثوا إلا أن طلع رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ علام تشتمني أنت وأصحابك‏؟‏ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم، وأنزل الله ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال ‏"‏ذكر لنا أن رجلين اقتتلا، أحدهما من جهينة والآخر من غفار، وكانت جهينة حلفاء الأنصار، فظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن أبي للأوس‏:‏ انصروا أخاكم، والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل‏:‏ سمن كلبك يأكلك‏.‏ والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل‏.‏ فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله، فأنزل الله ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الآية‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر‏}‏ قال‏:‏ نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة أن رجلا من الأنصار يقال الجلاس بن سويد قال ليلة في غزوة تبوك‏"‏والله لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير‏.‏ فسمعه غلام يقال له عمير بن سعد وكان ربيبه فقال له‏:‏ أي عم، تب إلى الله‏.‏ وجاء الغلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجعل يحلف ويقول‏:‏ والله ما قلت يا رسول الله‏.‏ فقال الغلام‏:‏ بلى، والله لقد قلته فتب إلى الله، ولولا أن ينزل القرآن فيجعلني معك ما قلته، فجاء الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا فلا يتحركون إذا نزل الوحي، فرفع عن النبي فقال ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر‏}‏ إلى قوله ‏{‏فإن يتوبوا يك خيرا لهم‏}‏ فقال‏:‏ قد قلته وقد عرض الله علي التوبة فأنا أتوب، فقبل ذلك منه، وقتل له قتيل في الإسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك وكان هم أن يلحق بالمشركين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام‏:‏ وعت أذنك‏"‏‏.‏

وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين رضي الله عنه قال‏:‏ لما نزل القرآن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن عمير فقال ‏"‏وعت أذنك يا غلام وصدقك ربك‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين رضي الله عنه قال‏:‏ قال رجل من المنافقين‏:‏ لئن كان محمد صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير‏.‏ فقال له زيد بن أرقم رضي الله عنهما‏:‏ إن محمدا لصادق ولأنت شر من الحمار‏.‏ فكان فيما بينهما ذلك كلام، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأتاه الآخر فحلف بالله ما قال، فنزلت ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر‏}‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن أرقم‏"‏وعت أذنك‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ قال أحدهم‏:‏ إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير‏.‏ فقال رجل من المؤمنين‏:‏ فوالله إن ما يقول محمد لحق، ولأنت شر من الحمار‏.‏ فهم بقتله المنافق، فذلك همهم بما لم ينالوا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا‏}‏ قال ‏"‏هم الذين أرادوا أن يدفعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وكانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه في بعض أسفاره، فجعلوا يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك ليلا قالوا‏:‏ إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فسمع حذيفة رضي الله عنه وهو يسوق النبي صلى الله عليه وسلم وكان قائده تلك الليلة عمار، وسائقه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فسمع حذيفة أخفاف الإبل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين‏:‏ فقال‏:‏ إليكم إليكم يا أعداء الله فأمسكوا‏.‏ ومضى النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل منزله الذي أراد، فلما أصبح أرسل إليهم كلهم فقال‏:‏ أردتم كذا وكذا‏؟‏ فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي سألهم عنه، فذلك قوله ‏{‏يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر‏}‏ الآية‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ‏{‏وهموا بما لم ينالوا‏}‏ قال‏:‏ هم رجل يقال له الأسود بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال ‏"‏رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق، فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه، فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم فقال‏:‏ من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعمار بن ياسر رضي الله عنه فمشيا معه شيئا، فأمر عمار أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها‏.‏

فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكرة القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم، وأبصر حذيفة رضي الله عنه غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضربا بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعرون إنما ذلك فعل المسافر، فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة رضي الله عنه وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة رضي الله عنه حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أدركه قال‏:‏ اضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استووا بأعلاها، فخرجوا من العقبة يتنظرون الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة‏:‏ هل عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أحدا‏؟‏ قال حذيفة‏:‏ عرفت راحلة فلان وفلان، وقال‏:‏ كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل علمتم ما كان شأنهم وما أرادوا‏؟‏ قالوا‏:‏ لا والله يا رسول الله‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ قال‏:‏ فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها‏.‏ قالوا‏:‏ أفلا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم‏؟‏ قال‏:‏ أكره أن يتحدث الناس ويقولوا‏:‏ إن محمد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما، وقال‏:‏ أكتماهم‏"‏‏.‏

وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن إسحق نحوه وزاد بعد قوله لحذيفة ‏"‏هل عرفت من القوم أحدا‏"‏ فقال‏:‏ لا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح، فلما أصبح سماهم به‏:‏ عبد الله بن أبي سعد، وسعد بن أبي سرح، وأبا حاصر الأعرابي، وعامرا، وأبا عامر، والجلاس بن سويد بن صامت، ومجمع بن حارثة، ومليحا التيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أبيرق، وعبد الله بن عيينة، ومرة بن ربيع‏.‏ فهم اثنا عشر رجلا حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، وذلك قوله عز وجل ‏{‏وهموا بما لم ينالوا‏}‏ وكان أبو عامر رأسهم، وله بنوا مسجد الضرار وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير بن مطعم قال‏:‏ لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين الذين تحسوه ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة رضي الله عنه، وهم اثنا عشر رجلا ليس فيهم قرشي، وكلهم من الأنصار ومن حلفائهم‏.‏

وأخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال‏:‏ كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقود به وعمار يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده، حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوا فيها قال‏:‏ فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏هل عرفتم القوم‏؟‏ قلنا لا يا رسول الله كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب‏.‏ قال‏:‏ هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة‏.‏ هل تدرون ما أرادوا‏؟‏ قلنا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ أرادوا أن يزحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها‏.‏ قلنا يا رسول الله، ألا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم‏؟‏ قال‏:‏ لا، إني أكره أن تحدث العرب بينها‏:‏ أن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم، ثم قال‏:‏ اللهم ارمهم بالدبيلة‏.‏ قلنا يا رسول الله، وما الدبيلة‏؟‏ قال‏:‏ شهاب من نار يوضع على نياط قلب أحدهم فيهلك‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله ‏{‏وهموا بما لم ينالوا‏}‏ قال‏:‏ أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح ‏{‏وهموا بما لم ينالوا‏}‏ قال‏:‏ هموا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج‏.‏

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه‏.‏ أن مولى لبني عدي بن كعب قتل رجلا من الأنصار، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفا، وفيه نزلت ‏{‏وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله‏}‏‏.‏

وأخرج ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قتل رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ديته اثني عشر ألفا، وذلك قوله ‏{‏وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله‏}‏ قال‏:‏ بأخذهم الدية‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله ‏{‏وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله‏}‏ قال‏:‏ كانت له دية قد غلب عليها فأخرجها له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال‏:‏ كان جلاس يحمل حمالة أو كان عايه دين فأدى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله ‏{‏وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله‏}‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال‏:‏ ثم دعاهم إلى التوبة فقال ‏{‏فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة‏}‏ فأما عذاب الدنيا فالقتل، وأما عذاب الآخرة فالنار‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن الحسن ‏"‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إن قوما قد هموا بهم سوءا وأرادوا أمرا فليقوموا فليستغفروا فلم يقم أحد ثلاث مرار، فقال‏:‏ قم يا فلان قم يا فلان‏.‏ فقالوا‏:‏ نستغفر الله تعالى‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ والله لأنا دعوتكم إلى التوبة والله أسرع إليكم بها وأنا أطيب لكم نفسا بالاستغفار أخرجوا‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال‏:‏ قال لي ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ احفظ عني كل شيء في القرآن ‏{‏وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير‏}‏ فهي للمشركين، فأما المؤمنون فما أكثر شفعاءهم وأنصارهم‏.‏

 الآيات 75 - 78

أخرج الحسن بن سفيان وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال والطبراني وابن منده والباوردي وأبو نعيم في معرفة الصحابة وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال ‏"‏جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا‏.‏ قال‏:‏ ويحك يا ثعلبة‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ أما ترضى أن تكون مثلي‏؟‏ فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي لسارت‏.‏ قال‏:‏ يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فوالذي بعثك بالحق إن آتاني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه‏.‏ قال‏:‏ ويحك يا ثعلبة‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيق شكره‏.‏ فقال‏:‏ يا رسول الله، ادع الله تعالى‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم ارزقه مالا‏.‏

فاتجر واشترى غنما فبورك له فيها ونمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة فتنحى بها - فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يشهدها بالليل، ثم نمت كما ينمو الدود فتنحى بها، فكان لا يشهد الصلاة بالنهار ولا بالليل إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نمت كما ينمو الدود فضاق به مكانه فتنحى به، فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار‏.‏ وفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنه‏؟‏ فأخبروه أن اشترى غنما، وأن المدينة ضاقت به وأخبروه بخبره‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويح ثعلبة بن حاطب‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏

ثم إن الله تعالى أمر رسوله أن يأخذ الصدقات، وأنزل الله تعالى ‏(‏خذ من أموالهم صدقة‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 103‏)‏‏.‏ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين، رجلا من جهينة ورجلا من بني سلمة يأخذان الصدقات، فكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها على وجهها، وأمرهما أن يمرا على ثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم، فخرجا فمرا بثعلبة فسألاه الصدقة‏.‏ فقال‏:‏ أرياني كتابكما، فنظر فيه فقال‏:‏ ما هذا إلا جزية، انطلقا حتى تفرغا ثم مرا بي‏.‏ قال‏:‏ فانطلقا وسمع بهما السليمي فاستقبلهما بخيار إبله فقالا‏:‏ إنما عليك دون هذا‏.‏ فقال‏:‏ ما كنت أتقرب إلى الله إلا بخير مالي‏!‏ فقبلاه، فلما فرغا مرا بثعلبة فقال‏:‏ أرياني كتابكما‏.‏ فنظر فيه فقال‏:‏ ما هذا إلا جزية‏.‏ انطلقا حتى أرى رأيي‏.‏ فانطلقا حتى قدما المدينة، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يكلمهما‏:‏ ويح ثعلبة بن حاطب‏.‏ ودعا للسليمي بالبركة، وأنزل الله ‏{‏ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن‏}‏ الثلاث آيات‏.‏

قال‏:‏ فسمع بعض من أقارب ثعلبة فأتى ثعلبة فقال‏:‏ ويحك يا ثعلبة‏.‏‏.‏‏.‏‏!‏ أنزل الله فيك كذا وكذا‏.‏ قال‏:‏ فقدم ثعلبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله هذه صدقة مالي‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن الله تعالى قد منعني أن أقبل منك‏.‏ قال‏:‏ فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني‏.‏ فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى‏.‏

ثم أتى أبا بكر فقال‏:‏ يا أبا بكر اقبل مني صدقتي، فقد عرفت منزلتي من الأنصار‏.‏ فقال أبو بكر‏:‏ لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلها‏؟‏‏!‏ فلم يقبلها أبو بكر، ثم ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأتاه فقال‏:‏ يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل مني صدقتي‏.‏ وتوسل إليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال عمر‏:‏ لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا‏؟‏‏!‏ فأبى أن يقبلها، ثم ولي عثمان فهلك في خلافة عثمان، وفيه نزلت ‏(‏الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 79‏)‏ قال‏:‏ وذلك في الصدقة‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله ‏{‏ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين‏}‏ وذلك أن رجلا كان يقال له ثعلبة من الأنصار، أتى مجلسا فأشهدهم فقال‏:‏ لئن آتاني الله من فضله آتيت كل ذي حق حقه وتصدقت منه وجعلت منه للقرابة‏.‏ فابتلاه الله فأتاه من فضله‏.‏ فأخلف ما وعده، فأغضب الله بما أخلفه ما وعده نقص الله شأنه في القرآن‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ اعتبروا المنافق بثلاث‏:‏ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وذلك بأن الله تعالى يقول ‏{‏ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ ثلاث من كن فيه فهو منافق‏.‏ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان‏.‏ وتلا هذه الآية ‏{‏ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله‏}‏ إلى آخر الآية‏.‏

وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏آية المنافق ثلاث‏.‏ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان‏"‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ والخرائطي في مكارم الأخلاق عن محمد بن كعب القرظي قال‏:‏ سمعت بالثلاث التي تذكر في المنافق‏.‏ إذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، فالتمستها في الكتاب زمانا طويلا حتى سقطت عليها بعد حين، وجدنا الله تعالى يذكر فيه ‏{‏ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله‏}‏ إلى قوله ‏{‏وبما كانوا يكذبون‏}‏ و ‏(‏إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض‏)‏ ‏(‏الأحزاب الآية 72‏)‏ إلى آخر الآية ‏(‏وإذا جاءك المنافقون‏)‏ ‏(‏المنافقون الآية 1‏)‏ إلى قوله ‏(‏والله يشهد أن المنافقين لكاذبون‏)‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رجلا من الأنصار هو الذي قال هذا، فمات ابن عم له فورث منه مالا فبخل به ولم يف الله بما عاهد عليه، فأعقبه بذلك نفاقا إلى أن يلقاه قال‏:‏ ذلك ‏{‏بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون‏}‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن أبي قلابة قال‏:‏ مثل أصحاب الأهواء مثل المنافقين كلامهم شتى وجماع أمرهم النفاق، ثم تلا ‏{‏ومنهم من عاهد الله‏}‏ ‏(‏ومنهم من يلمزك‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 58‏)‏ ‏(‏ومنهم الذين يؤذون النبي‏)‏ ‏(‏التوبة الآية 61‏)‏‏.‏

وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله ‏{‏بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون‏}‏ قال‏:‏ ‏"‏اجتنبوا الكذب فإنه باب من النفاق، وعليكم بالصدق فإنه باب من الإيمان، وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدث ‏"‏أن موسى عليه الصلاة والسلام لما جاء بالتوراة لبني إسرائيل قالت بنو إسرائيل‏:‏ إن التوراة كثيرة، وإنا لا نفرغ لها فسل لنا جماعا من الأمر نحافظ عليه ونتفرغ لمعايشنا‏.‏ قال‏:‏ مهلا مهلا أي قوم، هذا كتاب الله وبيان الله ونور الله وعصمة الله‏.‏ فردوا عليه مثل مقالتهم، فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرب تبارك وتعالى‏:‏ فإني آمرهم إن هم حافظوا عليهن دخلوا الجنة بهن‏:‏ أن يتناهوا إلى قسمة مواريثهم ولا يتظالموا فيها، وأن لا يدخلوا أبصارهم البيوت حتى يؤذن لهم، وأن لا يطعموا طعاما حتى يتوضأوا كوضوء الصلاة‏.‏ فرجع موسى عليه السلام إلى قومه بهن ففرحوا، ورأوا أن سيقومون بهن، فوالله إن لبث القوم إلا قليلا حتى جنحوا فانقطع بهم، فلما حدث نبي الله صلى الله عليه وسلم هذا عن بني إسرائيل قال‏:‏ تكفلوا لي بست أتكفل لكم بالجنة‏.‏ إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا وعدتم فلا تخلفوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، وفروجكم‏.‏ قال قتادة‏:‏ شداد والله إلا من عصم الله‏"‏‏.‏